حذار من الدول الصغيرة لديفيد هيرست... لبنان ساحة معارك الشرق الأوسط
صدر حديثاً عن {منشورات الرمال} كتاب {حذار من الدول الصغيرة... لبنان ساحة معارك الشرق الاوسط} للصحافي والكاتب الأميركي ديفيد هيرست. وفيه يشرح المؤلف كيف كان ومازال لبنان ساحة لمعارك الآخرين.
{حذار من الدول الصغيرة} عنوان مصدره جملة كتبها الثوري الروسي ميخائيل باكونين لصديق عام 1870: {إنهم ضحايا الدول الكبرى، لكنهم أيضاً مصدر خطر لها}. وقتها كان بكونين يقصد دولاً صغيرة في أوروبا مثل بلجيكا، ولاتفيا. لبنان، دولة صغيرة بعدد سكانها ومساحتها، باتت أيضاً أرض معارك دول المنطقة. دافيد هيرست، مراسل {الغارديان} في الشرق الأوسط والذي أقام في لبنان لأكثر من 50 عاماً، لا يكتب تاريخ لبنان فحسب، بل هو أيضاً تاريخ الشرق الأوسط، خصوصاً الصراع العربي الإسرائيلي الذي ابتليت به المنطقة منذ قرن تقريباً.
قسم هيرست كتابه إلى 15 فصلاً وخاتمة. بدأ بالحديث عن بذور الصراع العربي الإسرائيلي في القرن التاسع عشر، وخصص فصلاً عن العلاقة بين الصهاينة والموارنة، وفصلاً آخر عن تأثيرات نكبة 1948 على لبنان. وتناول قضية الوجود الفلسطيني في لبنان ودوره في إشعال الحرب الأهلية، وانتقل بعدها ليتحدث عن الحرب اللبنانية حيث اعتبرها حرباً بالوكالة عن الجميع، وتحدث عن الحرب الإسرائيلية على لبنان والاجتياح ومجزرة صبرا وشاتيلا. وبعدها انتقل المؤلف للحديث عن الخميني والثورة الإيرانية، ثم عن انتهاء الحرب الأهلية وصعود «حزب الله». واعتبر في عنوان أحد الفصول أن حسن نصر الله «الشيخ المجاهد» أذّل الصهاينة. وتحدت في أحد فصول الكتاب عن الشرق الأوسط الجديد ومحاولة إعادة رسم خارطة المنطقة، وإخراج سورية من لبنان في عام 2005، والحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006.«من انتصر؟» يسأل المؤلف، قاصداً «حزب الله» أم إسرائيل، ثم يتناول الحرب الإسرائيلية على غزة. ويتساءل: «سلام أوباما أم حرب سابعة؟»، أي حلقة جديدة من الصراع العربي الإسرائيلي؟
هشاشة لبنان
اعتبر هيرست أن ما يفسر هشاشة لبنان أمام التدخلات الخارجية لا يقتصر على صغر حجمه، أو موقعه الحساس بين الشرق والغرب، أو الاهتمام الخاص الذي لطالما أبدته الدول الأوروبية بهذا البلد. ما يفسر ذلك، قبل كل شيء تركيبته الداخلية الفريدة. ذلك أن لبنان بوصفه مزيجاً من الطوائف الدينية ومتفرعاتها التي لا تحصى، هو الدولة الطائفية بامتياز. والحالة التي يعانيها هي حالة مزمنة. ويكاد لبنان يكون قد صمم ليبقى ساحة صراع دائمة للآخرين في السياسة والاستراتيجية والأيديولوجية، تلك الصراعات التي تتصاعد أحياناً لتبلغ درجة الحروب بالوكالة. هؤلاء الآخرون هم، في المقام الأول الدول الكبيرة في المنطقة، لكنهم أيضاً أميركا وأوروبا وروسيا أو أي قوة كبرى، فعلية أو طامحة، تبدي اهتمامها بشؤون المنطقة.
يتابع المؤلف أن أمر لبنان لا يقتصر على كونه عرضة فريدة لكل ما تضعه الدول ووكلاؤها الرسميون، من خطط علنية أو سرية. فهو عرضة أيضاً، وعلى المستوى الشعبي، لكل فكرة أيديولوجية جديدة، وكل تيار ديني أو سياسي أو ثقافي ينشأ في المنطقة أو ينتشر في أرجائها. ذلك أن لبنان كان ولا يزال مجتمعاً منفتحاً وحراً وديمقراطياً أكثر من جيرانه العرب. وهذا ما جعل عيبه الرئيس هشاشته حيال الشقاق الداخلي، فضيلته الرئيسة. ذلك أن الدولة الطائفية لا تستطيع أن تقوم بعملها ما لم تتفق أجزاؤها المكونة، مبدئياً على الأقل، على أن احترام حقوق كل منها ومصالحه وحساسياته ضروري لخير الجميع. الأمر الذي يغدو وقاء جوهرياً ضد ما ابتلت به بقية العالم العربي من دكتاتورية جماعية، إثنية أو طائفية.
تجارب تاريخية
يقول الكاتب إنه وعلى رغم كون لبنان هدفاً لأفعال الآخرين ومطامحهم وضحية لها، فإنه على مستوى الأفكار كان فاعلاً أيضاً. وهذا ما جعله يعكس، بطريقته الخاصة والمميزة التي غالباً ما تكون طائفية بالطبع، جميع التجارب التاريخية الواسعة في الشرق الأوسط الحديث، أو يسهم فيها تلك المساهمة الكبيرة: الانتقال من الحكم العثماني إلى الاستعمار، ونشوء الفكرة القومية العربية الجامعة والاستقلال، وكل ما فرخته القومية العربية. من ضروب الاستيلاء الثوري على السلطة بعد الاستقلال، بأشكاله العلمانية، الاشتراكية، الوحدوية، {المعادية للإمبريالية}، وأخيراً نشوء الإسلام الأصولي المبرز اليوم، مع فشل القومية أو على الأقل تفسخ الأنظمة التي زعمت أنها تجسدها. ويتساءل هنا هيرست: {هل يمكن القول إن لبنان، الحياة الأبدية، قد غدا اليوم قادراً على تهديد الدول الكبيرة أكثر مما تهدده؟}.
يلفت هيرست إلى أن لبنان، في شكله الحديث الذي مضى على وجوده ما يقرب من 90 عاماً، احتكت به دول عدة، من داخل المنطقة وخارجها، فتوددت إليه، أو تجرأت عليه، أو سعت إلى دكه من الداخل، أو هاجمته، أو غزته، أو احتلته، أو أساءت معاملته. غير أن أياً منها لم يفعل ذلك بالعنف والتخريب الذي مارسته إسرائيل التي نمت في كنف الحركة الصهيونية ما قبل الدولة. ذلك أنه مهما تكن الألفة التي يبدو عليها اليوم وجود الدولة اليهودية وأنشطتها المميزة في أعين العالم تبقى حقيقة بارزة تاريخياً أنه لم يكن لها وجود حين قام لبنان الذي نعرفه في عام 1920. ولا يقتصر الأمر على أنه لم تكن ثمة دولة يهودية آنذاك، بل يتعداه إلى أنه لم تكن هنالك الشروط المسبقة الأساسية اللازمة لقيام مثل هذه الدولة.
في فصل {من انتصر؟}، يعتقد هيرست أن ليس من شك، في أن أكاليل النصر بعد حرب 2006 كانت من نصيب {حزب الله}. لكن هذا النزاع الاستثنائي و{اللامتناظر} الذي لم يبدل بالمعنى الآنى الملموس إلا القليل جداً على الأرض أفضى إلى ادعاءات متعارضة حول ماهية نتائجه الفعلية.
كتب الخبر: عبدالله أحمد