RASEEF 22
نوارة، سيّدة القطن: هذا ليس كتاب، إنّه نافذة على الكون
كاتبة ورسّامة، ناقدة أدبيّة وفنيّة، ميموزا العراوي التي وقّعت خلال أمسيتين متتاليتين (25 و26 كانون الثاني، يناير) كتابها الثالث "نوارة" في رحاب دار النمر (الحمرا - بيروت) خلال نشاط فريد من نوعه، إن لم نقل رائد في عالمنا الثقافي العربي.
ترافق التوقيع مع عرض للوحات التي وضعتها داخل روايتها، حيث جاءت لتجسّد عوالم الأرض العربيّة بأزقتها، وبيوتها، وأبوابها ونوافذها، وكذلك الفضاء مع كواكبه ومساراته ومجرّاته، تمثلت في الأعمال التشكيليّة أشجار النخيل، طائر الهدهد الذي يلعب دوراً بارزاً في القصّة، الأزياء الفلكلوريّة والصناعات التقليديّة الخاصّة بمنطقة بلاد الشام.
كما ظهرت الحروف العربيّة في دقائق اللوحات غير واضحة المعالم وحفلت بزخم غني لم يستثن لوناً واحداً ودخل ضمن مروحته الفضي والذهبي على السواء.
خلال الحفل تمّ عرض فيلم تحريكي قصير من وحي الرواية والمعرض الفني.
للكتاب إخراج فني رفيع تولّت تصميمه مايدة فريجة مقدسي ترافق مع نبض الحكاية، وعاونها فريق كبير لإتمامه، وابتكر فيه الفنان عجاج العراوي (والد الروائية) أطوار أبجدية عربيّة ذات طابع عصري.
صادر عن "دار رمال"، حجمه كبير (21 × 27)، على امتداد 200 صفحة، يروي "نوارة" قصة غرائبيّة غير مخصّصة لفئة عمريّة معيّنة، يمكن اعتباره مغامرة في النشر الورقي الذي نشهد أفوله في الآونة الأخيرة، لاسيما مع تراجع عدد القرّاء العرب عموماً.
يرى المتصفّح العابر كما ويشعر القارئ المتمعّن، المجهودَ الخارق الذي وظّفته المؤلفة من أجل إطلاق "نوارة" وجاء عمل المُخرجة صدى فنياً مميزاً للنظرة السينماتوغرافية لنصّها بصريّاً وكتابيّاً، يُذكر أنه ما من عنصر مرئي هنا إلا وهو صورة أصليّة التقطتها ميموزا بكاميرتها الخاصّة باستثناء صور بعض الكواكب.
التقينا معها وكان لنا هذا الحديث.
1- ميموزا، قلت في المقدمة أن العمل على الكتاب استغرق 8 سنوات، فما هو السبب؟
■ لم أنشغل طوال هذه الفترة في كتابة الرواية، فقد تضمّنت تلك المهلة الطويلة مفاوضات مع دور نشر عديدة أرادت أخراج الكتاب بالأسود والأبيض أو الاحتفاظ بالحق الحصري لها، ودور نشر أخرى أرادت تحويله إلى شريط مصور أو تراجعت بسبب تكلفة طبعه، وثمة دار أرادت إخراجه باللهجة المحكيّة ما يتناقض مع رواية أهديتها إلى اللغة العربية.
ثم جاء زمن العثور على الدار المناسبة، فكانت دار رمال التي آمنت بهذا العمل إذ يقع في صلب قناعاتها وحسّها الأدبي والفني الثمين، أما العثور على المخرج أو المخرجة لتصميم الكتاب الذي أردته أن يكون بصرياً بالدرجة الأولى، يشتبك فيه النص مع الصور ويتبلور فيه عنصر مرور الزمن لِلْعَيْنِ، كان من أصعب المهمّات، وأقول -وقد قلتها سابقاً- لم يكن بوسعي أن أقدّم رواية نوارة بهذا الشكل الفني المبتكر، الذي يتناقض مع مفهوم التزيين السطحي، لولا مايدة فريجة مقدسي التي -إضافة إلى براعتها- تملك قلباً شغوفاً لم يكن لنوارة أن تظهر بأقلّ منه.
- لماذا اخترت اسم "نوارة" للبطلة / عنوان الكتاب، وهل الخط الذهبي يرمز إليها؟
■ لا اعرف لماذا اخترت هذا الإسم ومتى على وجه التحديد! أما الخط الذهبي فقد اقترحته المخرجة لكي يمثل نوارة التي هي بحدّ ذاتها رمز للحياة وللغة العربيّة وللأمل وللحب والنور.
3- في الكتاب شخصيات ممتعة وأسماؤها ظريفة، مثل: الجمل "غيوم"، النخلة "أروى" والخزانة "نهلة"، فهل الرواية موجهة للصغار؟
■ لا أبداً، إنها لكلّ من تخطّى سن السادسة عشر، لم أجد أي مشكلة بأن تخاطب الأشياء والكائنات الحية الكبار بلغة بشرية.
4- تدور حوادث الرواية في "بلاد الشام"، فهل ثمة رسالة هنا؟
■ لا أحب أن استخدم كلمة "رسالة". إنها رواية صادقة تهجس بالمنطقة ونابعة منها، هي شغوفة بها ولا تريد أن تكون غير ذلك.
5- تتحدّثين في البداية عن ثلاث صناديق داخل خزانة "نوارة" الواحد منها مخبّأ في قلب الآخر، أيضاً قسّمت الكتاب إلى ثلاثة فصول غير متساوية: أصغرها "الواحة" في الوسط، ثم "الصحراء" في البداية، وأكبرها "البحر" وهو الفصل الثالث والأخير حيث تروين على امتداده نصف القصّة تماماً، فهل كل ذلك مجرد صدفة نابعة من اللاوعي؟
■ هذا سؤال جميل ويطول شرحه، ولكنني سأختصر. نعم، كل ما جاء من تقسيم في الرواية هو مقصود وكذلك الأمر فيما يتعلّق بكون الأشياء والأمور تقبع في قلب بعضها البعض، وقد تكلمت في البداية مع المخرجة مايدة فريجة مقدسي حول رغبتي في أن يظهر ذلك بصرياً، ففي القرية الصحراويّة يوجد بيت نوارة وفي قلب بيت نوارة الخزانة نهلة وفي قلب الخزانة الصناديق إلخ...
- لا تخلو القصة من إشارات إلى حقائق علميّة (في الكيمياء والجغرافيا مثلاً)، والكثير الكثير من دروس اللغة شبه المباشرة حول المترادفات والمجانسة والإطناب الخ.. فهل توافقين أنه إلى حد ما كتاب ذو جانب تربوي، يصلح للتعليم كما تبتغيه الطرق الحديثة، أي انطلاقاً من نصّ أصيل، لا مفتعل وجاف؟
■ هذا أيضا سؤال مهم. أولاً لا استسيغ كلمة "تربية" لما تتضمّن من قوانين صارمة وما إلى ذلك، كما أني أشتمّ منها رائحة أجواء المدارس الرتيبة والمشوشة التي لم أحبها يوماً، لكن بوسعي أن أقول لقد تمّ مراجعة هذا الكتاب ربما 7 مرات كي يخرج بدون غلطة لغوية واحدة.
أما اعتمادي على التوكيد اللوني في المفردات والمرادفات وغيرها من الممارسات فهي لرغبتي بإظهار جمالية وغنى اللغة العربيّة وكذلك رؤيتها على أنها تشكيلات بصرية لافتة، نعم، أردت أيضاً أن يحب اليافعون الرواية ممن قد يصدف أن يتصحفوها وأن يفتخروا بلغتهم وإرثهم الحضاري الممتدّ إلى المستقبل.
7- رأيت في مؤلفك أوجه شبه مع كتاب "الأمير الصغير" لأنطوان دو سانت إكزوبيري، أولاً من حيث الشكل، كونك الكاتبة والرسّامة في آن، وثانياً من حيث المضمون، أي كونية الثيمة وأنسنتها مما يجعلها تنتمي إلى كل مكان وزمان وتحاكي كل الأعمار، فهل توافقين أم لا؟ ولماذا؟
■ نعم أوافق. فالرواية يصعب اعتبارها لعمر معين دون آخر.
كل عمر يستطيع أن يرى فيها ما يريد، رواية نوارة هي سياسيّة وفلسفيّة وعاطفيّة وتاريخيّة، واجتماعيّة وغرائبيّة في آن واحد
8- هل ثمة نيّة لترجمة "نوارة" إلى لغات أخرى؟
■ نعم. تكاد تنجز ترجمتها من قبل مُترجمة رائعة استطاعت أن تقبض على عصب الرواية وشعريّتها العالية، سيتم لاحقاً اصدارها خارج لبنان.
9- عرض الفيلم خلال حفلة التوقيع دون أن يأخذ حقه كاملاً، فهل ستكون هناك عروض أخرى أمام الجمهور تليها نقاشات؟
■ عرض الفيلم القصير وكذلك المعرض لم ياخذا حقيهما بالكامل. فقد اقتصر زمن العرض على يوم ونصفه. لم يكن من الممكن أكثر من ذلك نظراً لتكلفة مادية إضافية لم يعد من الممكن تحمّلها، وأحب أن أضيف أنني بصدد تحضير أعمال فنية وروائية أخرى لن تأخذ إن شاء الله المدة "الخرافية" التي أخذتها رواية نوارة لتبصر النور.
10- ألف مبروك عزيزتي، أين سيطرح كتابك في الأسواق؟
■ الرواية هي الآن في مكتبة "النيل والفرات" في شارع الحمرا. قريباً في مكتبة أنطوان وفيرجن ميغا ستور. شكراً لك ولرصيف22 على هذا الحوار الشيق.
- رنا قاروط
Raseef22